الصفحة الرئيسيةالقسم في سطورأعضاء هيئة التدريسالدراسة الجامعيةالدراسات العلياخريجوا القسمنشاطات القسمحفريات القسمالرحلات العلميةمكتبة القسممعمل القسمذاكرة القسممعرض الآثار الليبيةأخبار القسممواقع مفيدة

 

 

  

الاخ/ رئيس تحرير صحيفة اخبار بنغازي المحترم:

بعد التحية:

بكل رحابة صدر وبدون استخدام اسلوب الاستهزاء  و بدون تجريح الاخرين وفي ظل الحوار العلمي الهادف ، ومن اجل الاثار و لاشيء غير الاثار يطيب لاعضاء هيئة التدريس بقسم الاثار في جامعة قاريونس ان ترد عما جاء في العدد رقم 1212 من صحيفة أخبار بنغازي الصادر بتاريخ 20-05-2004 في  مقال عنون بـ "كنوزنا الأثرية ثروة يجب الحفاظ عليها" لتوضيح الحقائق لقراء الصحيفة و للراي العام حيث يفهم من ذلك المقال ومن عنوانه ان قسم الاثار لم يحافظ على الثروة الاثرية التي تملكها ارضنا الحبيبة ، و يبدو هذا بعيدا كل البعد عن قسم الاثار طلابا و اساتذة ، فمثلا  التأم شمل اساتذة القسم  يوم 18/ 4/2004 لاحياء اليوم العالمي للمواقع الاثرية ، واحيى ذلك اليوم بمحاضرات ومداخلات تمحورت على المواقع الاثرية وكيفية المحافظة عليها ايمانا من اساتذة القسم بان الاثار تراث انساني من الضروري الحفاظ عليه بشتى الوسائل قد تكون ابسطها وضع النقاط على الحروف حول وضعية المواقع الاثرية و كيف تكون حمايتها من الاخطار التي تتعرض لها انطلاقا من مبدأ الحرص على تلك الاثار ومن دور قسم الاثار التحريضي و الاستشاري و التعليمي والذي يعمل اساتذته على تعليم  طلابه  اهمية الموقع الاثري و كيفية المحافظة عليه نظريا و عمليا ، فمن يُعلم ذلك و يحرص عليه و يطبقه قولا وعملا لا يمكن ان يفعل خلاف ذلك و ان يرتكب اخطاء فادحة تسيء للآثار تعرض على صفحات الصحف ، وفي الوقت الذي كان قسم الاثار يتوقع ان تُشيد الاقلام بدوره في إعداد كوادر متخصصة من الأثريين ، ودوره الايجابي في المحافظة على الاثار مثلما حدث في المعركة التي خاضها القسم للمحافظة على موقع سيدي عبيد (يوسبريدس) من الازالة ، جاءت بعض الاقلام لتكيل له الاتهامات و تشهر به متناسيا الاخ/ فتحي الساحلي كاتب المقال ان القسم يملك من الخبرات الوطنية ما تجعله يبز اقرانه في الجامعات المناظرة له كما ان خبراته التي تشارك في اعمال التنقيب التدريبية في مدينة توكرة الاثرية تعد افضل من الكثير من البعثات الاثرية الاجنبية من خلال استعمال احدث طرق التنقيب عن الاثار  .  

ويتطلب الرد العلمي على ما جاء في ذلك المقال تبيان العلاقة بين مصلحة الآثار وقسم الآثار بجامعة قاريونس التي  بدأت منذ تأسيس القسم الذي تجاوز عمره الآن الثلاثة عقود و تقوم على أساس من التعاون العلمي الوثيق المتسم بالشفافية. يتمثل دور القسم بالإضافة إلى دوره الاستشاري، في إعداد كوادر متخصصة من الأثريين والأثريات يأخذون على عاتقهم حماية الإرث الحضاري الذي تزخم به أرضنا الحبيبة كانت فيه مصلحة الآثار وما زالت السند الرئيس في هذا المرام، ولم تأل يوماً جهداً في تذليل الصعاب التي تواجه البرنامج التدريبي السنوي الذي يقام في مدينة توكرة الأثرية بمنطقة العقورية. العلاقة التي تربط بين الطرفين مبنية على التحاور المباشر والبناء، والنقاش العلمي المتسم بطابع الخصوصية وتتوفر فيه حسن النية وغرضه دائماً وأبداً الوصول إلى رأي علمي يخدم القضية موضوع النقاش.

ويستلزم الرد العلمي عن الاتهام بارتكاب اخطاء فادحة بحق الاثار في حفريات موسم تنقيب 2004 ف  الحديث قليلا عن الحفريات  فبعد نقاش حول خطة عمل موسم ربيع 2004 استقر الرأي على إيقاف العمل في المبنى الذي استهدفته أعمال التنقيب التدريبية بدءاً من عام 1997، وتبين أن فترة إنشائه في مخططه الحالي تعود إلى ما بعد زلزال عام 365، ويقوم على أنقاض مبنى تعود أصوله الأولى إلى العصر البطلمي. و ان محاولة التعرف على مظهر الفترات الحضارية السابقة يستلزم إزالة الحقب اللاحقة بعد عملية التوثيق والتسجيل العلمي، إلا أن ذلك من شأنه تغيير ملامح فترته البنائية الأخيرة المكتملة التي يندر وجودها بهذه الصورة داخل مدينة توكرة الأثرية، خاصة وأن نصيب المدينة من الكشف الأثري لا يقارن بباقي مدن الإقليم الأثرية كطلميثة وقوريني وأبولونيا، مع العلم أن نشاط البعثات الأثرية الأجنبية قد توقف في هذه المدينة منذ أواخر ستينيات القرن المنصرم.

إن الكشف عن مبنى سكنى بحدود واضحة تضمن خمس عشرة حجرة يجعل منه نموذجاً يمثل مباني الفترة المتأخرة التي ظلت مستخدمة إلى ما بعد الفتح الإسلامي في منتصف القرن السابع الميلادي. وجدران هذه الفترة المتأخرة  عبارة عن صفي حجارة مشذبة من واجهتيها الخارجية والداخلية متروك بينهما فراغ محشو بكسارة الحجارة والطين. هذا الأسلوب في البناء يطلق عليه (وجهان ولبّ)، يؤخذ عليه عند الكشف عنه سهولة انهياره بعكس الجدران المنفذة من مداميك مشذبة بصف واحد طولي. و هذه الجدران المتأخرة تصبح سريعة الانهيار بعد الكشف عنها بسبب العوامل الجوية المختلفة أهمها الأمطار التي تشبع اللبّ بالماء، ومما يزيد الأمر سوءاً تسلق الحيوانات كالماعز والضأن والأبقار التي تزخر بها المنطقة الأثرية لهذه الجدران، وكما هو معلوم أن المدينة الأثرية لا تتمتع بأي نوع من أنواع الحماية والعناية، وكم من مرة تعرضت الكثير من الجدران للانهيار بسبب العوامل السالفة الذكر ، اضافة الى قيام البعض بالنبش أسفل الجدران وحول بعض الظواهر الأثرية بحثاً عن ذهب ونفائس أخرى مخبأة صورتها في مخيلات العديد من الباحثين عن الثراء . 

بسبب طبيعة البناء لهذه الجدران المتأخرة من جهة ونتيجة للعوامل الطبيعية والبشرية من جهة أخرى، استقر الرأي بعد تبادل المشورة العلمية فيما بيننا على معالجة جزء من الإطار الخارجي للمبنى المنفذ من وجهين ولبّ (الجانبان الشمالي والغربي) بطبقة من الأسمنت المخفف بالرمل والطين لتكون بمثابة غطاء حافظ للجدار من أعلى (كان في الأصل مسقوفاً) مع الحرص على إبقاء جزء فاصل عن الجدار الأصلي متمثل في كسر حجارة صغيرة يسهل من خلالها مستقبلاً فصل المضاف عن الأصلي في حالة توفر مواد ترميم مناسبة لذلك. هذه الفكرة ليست من بنات أفكار أحد من الأساتذة المشرفين على العمل الميداني ولا بدعة ابتدعها متطفل أو دخيل على هذا العلم إنما استمدت من تجارب سابقة لمبانٍ اكتشفت في حفريات كركوان بتونس التي رفعت فيها الجدران حتى قامة الإنسان تقريباً وغطت بطبقة حماية لمقاومة المشي فوقها من الإنسان او الحيوان. أيضاً نسوق مثالاً آخر من جرش بالأردن، حيث تشاهد جدران كنيسة كوزماس ودوميان متوجة بغطاء من خليط الإسمنت والرمل، ومن شأن هذه الطبقة أيضاً منع نمو الأعشاب والأشجار فوق الجدران والتي بدورها تفتك بالجدران مهما بلغت قوتها وشدة تماسكها. ولا نذهب بعيدأ خارج أرض الوطن، إذ يمكن زيارة الموقع الأثري المسمى سيرة الجمل داخل مدينة البيضاء التي قام بالكشف عنها وترميمها الأثري الإيطالي إنزيو كاتاني خلال مطلع سبعينيات القرن الماضي حيث تشاهد بعض المباني المتأخرة معالجة بالطريقة نفسها التي اتبعت لاحقاً في توكرة.

      إن الغطاء الإسمنتي للجدران المسامية خاصة تلك المنفذة بقوالب الطوب أوالقابلة للانهيار كالتي أشير إليها أعلاه، طريقة يؤكدها العديد من اختصاصي الترميم ويأتي على رأسهم Toarraca الذي يري كذلك حلول أخرى مثل تغطية المباني المكتشفة بمظلات معدنية أو خشبية لحمايتها من الأمطار كذلك توجيه صرف هذه المياه  لتكون بمنأى عن أساسات الجدران.

الإسمنت هو الإسمنت سواء لُوّن بالأحمر أو بأي لون آخر وكقاعدة في عملية الترميم يجب أن يكون هناك فارق في اللون بين الأصل والجزء المرمم. إن جميع أعمال ترميم الجدران لايزال الإسمنت المادة الرئيسة في إعادة بنائها وترميمها، وأسأل كاتب المقال بماذا رممت القلعة التركية التي تقع في نطاق مسؤوليته؟ وكيف؟ وبأية مادة ترمم الآن مدينة برنيقي الأثرية (سيدي خريبيش)؟ وهل رمم معبد زيوس بشحات بمادة أخرى لا نعرفها؟. إننا نثبت حجارة صلبة غير مشذبة منهارة تغص بها المنطقة الأثرية وتشبه تماماً تلك الموجودة في الجدران، وهذه الحجارة قوية بما فيه الكفاية لتقاوم تآكل الإسمنت، وهذا لا يختلف مع القاعدة الأخرى في الترميم التي تمنع ترميم أثر هش بمادة كيميائية تكون أقوى منها من منطلق أن القوي يأكل الضعيف. نحن لم نقم بمعالجة وترميم لأية تكسية أو رسوم جدارية أو لوحة فسيفسائية لتراعى فيها نوعية معينة لمادة تثبيت ونسب معينة في خلطها. إننا نسأل كاتب المقال أين هي الآن المعالم التي كشفت عنها الحفريات السابقة؟ إن ما سلم منها من الانهيار يقبع تحت غابة كثيفة من الشجيرات والنباتات ونذكر في إحدى السنوات كيف ابتكرت فكرة مجيدة في تنظيف المبنى المسمى بكنيسة الشهداء  بإضرام النيران. أخيراً، نحن البعثة الوحيدة العاملة في المدينة الأثرية ونأتي في العام مرة واحدة نذكر آخر زيارة تكرم بها مسؤول المنطقة لموقع حفرياتنا أثناء العمل الميداني أو في مقر الإقامة كانت منذ عشر سنوات مضت وهذا خير دليل على متابعته ومواكبته للأعمال العلمية الجارية في المنطقة التي يحمي حماها ويذود عن ثراها، وليعلم علم اليقين أن الخطأ خطأ أينما ارتكب في منطقته كما يسميها أو في غيرها ونحن كحد سواء مصلحة الآثار والجامعة سنكون أول من نتصدى لهذا الخطأ.

وفي الختام انه من المتعارف عليه أن الأمور العلمية يناقشها المختصون في شكل مؤتمر أو ندوة أو محاضرة والهدف من ذلك هو تبادل وجهات النظر المعززة بالأدلة العلمية بغية الوصول إلى نتيجة علمية مقبولة، وربما يكون من الأفضل الحديث إلى القارئ حول دوره في المحافظة على الآثار، وتبليغ الجهات المختصة عن الآثار التي تكتشف في المزارع وأثناء أعمال البناء وشق الطرق وحفر الآبار ومدّ خطوط الأنابيب، وغير ذلك ولم يبلغ عنها، وعن الذين يقومون بالحفر غير المرخص به عن الآثار بهدف سرقتها وتهريبها إلى الخارج. أما بخصوص ما تحدث عنه كاتب "المقال"، فيكفي أن نقول للقارئ -وهو ما أكده الكاتب نفسه- أنه هو المسؤول عن الموقع، فلماذا لم يتصل بالقائمين على الحفريات ويناقشهم وقت التنفيذ ، وإن لم تقنعه وجهة نظرهم بإمكانه إيقاف العمل، فهو المسؤول كما بيّن هو بنفسه. ولا نريد الخوض عن دور أساتذة قسم الاثار بالجامعة سواء الذين ذكرهم  أم لم يذكرهم  في حماية الآثار والتعريف بها، ويكفي القول ان جهود الجميع تستحق الثناء و التقدير ، فلماذا نضع العصا في العجلة و لا نجعلها تسير نحو الامام .

اعضاء هيئة التدريس بقسم الاثار/ قاريونس

إلى الأعلى

 [رجوع]