الموسم التدريبي ربيع 2004

تقرير أولي حول أعمال التنقيب التدريبية لطلبة

 السنة الثالثة بمدينة توكرة الأثرية

(ربيع 2004)

في الفترة :01 – 10 / 03 - 2004

إشراف وإعداد:

أ‌. أحمد مصطفى أبوزيان

استقر الرأي هذا العام على التوقف في أعمال التقصي في المبنى RB حيث أن سمات حقبته الحضارية الأخيرة التي تنسب إلى أواخر العصر البيزنطي وبواكير العصر الإسلامي قد باتت جلية، ونحن إذ ندرك أن من شأن الخوض في الفترات السابقة بشكل أفقي أن يقوض الملامح الأخيرة لهذا المبنى المؤلف من خمسة عشر حجرة، ارتأينا إجراء بعض المجسات الضرورية في نقاط معينة من المبنى للوقوف على بعض المسائل الهامة التي يأتي في مقدمتها المراحل الحضارية والتطورات التي شهدها هذا التركيب المعماري منذ بداياته المبكرة وصولاً إلى مرحلة الهجر النهائية للمدينة.

مجريات العمل

المكان الذي وقع علية الاختيار للتنقيب في هذا الموسم يقع إلى الغرب مباشرة من المبنى RB (شكل 1)، وشملت أعمال الحفر ثلاثة مربعات من مسـتطيل الشـبكية 2 E، مساحة كل منها 5×5 متر(206 E، 208 E، 214 E)، وقد منح هذا الموقع رمز "RW".

شكل 1: الموقع RW قبل البدء في عملية التنقيب. نحو الشرق.

استهل العمل بإزالة المحتوى السطحي للمربعات الثلاثة (منح الرقم 1)، الذي تميز بخلوه التام من أية شواهد أثرية بارزة، وغلب على تركيبته الطين المتماسك المختلط بالعديد من كسر الأبدان من الفخار الخشن، مع ملاحظة وجود عدد من الأحجار المتفاوتة الأحجام ما بين الصغيرة والمتوسطة في أماكن متفرقة من المربع.

المربعان 206 E و 214 E

يقعان على امتداد الجدار الغربي للمبنى RB من الخارج وجدير بالذكر أنه قد أجريت بعض أعمال التقصي على شكل شريط ضيق بمحاذاة هذا الجدار خلال أعمال موسم 1993حيث أفضت وقتها الكشف عن بقايا حوض مكسو بطبقة مانعة لرشح السوائل. الحوض (شكل 2) ملاصق للجدار الغربي للمبنى RB من الخارج في منتصف امتداده تقريباً ومبطن بطبقة ملاط حمراء مبيضة من النوع المانع للتسرب، يتراوح سمكها مابين 5 إلى 10 سم، وهي منفذة في مرحلتين (طبقتين); أولى خشنة بها نسبة من القرميد وأخرى تليها أنعم. أقصى طول متبقي (شمال-جنوب) يصل إلى 2.10 متر وبلغ عرض ما تبقى (شرق-غرب) 1.70 متر في حين وصل أوضح عمق إلى 0.25 متر على الجانب الشمالي للحوض. هناك ميل بيَن في أرضية الحوض ناحية الغرب مما يوحي إلى وجود ملحق آخر مكمل لعملية تصنيع كانت تتم هنا يبدو على الأرجح أقرب إلى إنتاج النبيذ، وذلك من خلال مجموعة الخوابي والحوضين المتصلين بأرضية هرس تم الكشف عنها بجوار المبنى من ناحية الجنوب خلال موسمي1977 و 1993 على التوالي. للأسف لم تسفر أعمال التنقيب غرب الحوض عن وجود أية بقايا يمكن ربطها بالحوض، ويبدو من الواضح أنه حدث شيء ما أدى إلى تدمير جانبي الحوض الجنوبي والغرب وما يتبعه من ملحق/ملاحق تقع ناحية الغرب. هذا التدمير يمكن أن يكون بسبب انهيار الجدار الغربي للمبنى RB. ولا شك أن التدمير هذا قد أعقبته مرحلة أخرى أزيلت فيها أنقاض التراكيب الصناعية السابقة وحل محلها نشاط سكني استدل عليه من خلال العديد من مخلفات عظام الحيوان والطير وكس الفخار الخشن المختلطة ببقع من الرماد المنشرة عند الركن الجنوب الغربي من المربع.

شكل 2: الحوض (30). الشاخص 0.50 متر. نحو الشرق.

المربع 208 E

أهم المحتويات التي تم تنقيبها في هذا المربع كانت على النحو التالي:

1- تربة سطحية شديدة التماسك يغلب على تركيبتها الطين مع القليل من الرمل وتتضمن العديد من كسر الفخار الخشن. ما من شك أن سبب هذا التماسك قد جاء من خلال المسلك الذي درج أهالي المنطقة على عبوره راجلين وراكبين في ذهابهم إلى البحر.

3- حجارة متراكمة (شكل 3) في النصف الشرقي من المربع (صغيرة الحجم بالمقارنة مع تلك الموجودة في المربعين 206 E و 214 E)، تعطي انطباع فرشة حجرية لممر أو طريق ولكن يلاحظ أن سطح هذه الحجارة أغلبه ناتيء برؤوس غير مستوية بحيث يصعب معه تصور أن الفرشة كانت بأي شكل من الأشكال ممهدة للسير والحركة عليها، لذا فإن سبب وجودها ووظيفتها مفتوح ومتروك في الواقع لأعمال التنقيب التوسعية ومتابعة امتداد هذه الظاهرة.

4- تربة طينية ذات لون بني غامق تقلَ فيها اللقى الأثرية وشبه خالية من الحجارة في النصف الغربي من المربع (قارن بالمحتوى 3 أعلاه).

شكل 3: فرشة الحجارة (3) في النصف الشرقي من المربع E 208.

الشاخص 0.50 متر. نحو الشرق.

تميز المحتوى (4) في المربع 208 E بوجود كسر فخارية خشنة ومصقولة أغلبها لأبدان وعثر كذلك على بعض مكعبات فسيفسائية رمادية اللون وكسر عظمية صغيرة ومسمار من المعدن في حالة جيدة.     

باستمرار النزول عمقاً تم التوصل إلى محتوى تمثل في بقعة من الرماد (16) تركزت عند التقاء المسقطين الشمالي والغربي من المربع. يمتد الرماد ضمن المسقط الشمالي ويبرز عنه نحو 0.20 متر ويخرج من المسقط الغربي منتشراً شرقاً مسافة 0.90 متر، بسمك يصل نحو 5 سم. على نفس منـسوب الرماد بدأ يتكشف حوض (19) مبـطن بمادة مانـعة للرشـح بأبـعاد 0.56 × 0.50 متر وعمقه 0.45 متر (شكل 4)، ونظراً لعدم وجود تفسير لماهية الحوض تم التوسع باتجاه الشرق كشف على إثرها عن جدار يمتد من المسقط الغربي باتجاه الشرق على نفس مستوى الحوض. الطول الواضح حالياً لهذا الجدار يبلغ 1.60 متر وعرضه 0.05 متر وتم الكشف فقط عن سطحه ومنح الرقم (20).

الحوض (19) مزود بفتحة تتجه ناحية الغرب مما يؤكد على وجود اتصال للحوض بتركيب آخر ضمن مراحل تصنيع أقرب ما تكون لإنتاج النبيذ. وقد أخذت الردميات (18) من داخل الحوض بالكامل كعينة بيئية على أمل العثور ضمنها على بقايا بذور عنب من خلال عملية التعويم والتحليل المخبري.الحوض متصل من ناحية الشرق بأرضية تميل بشكل واضح نحوه منحت الرقم (22)، وهي مملطة من نفس مادة تبطين الحوض ويصل عرضها نحو 0.30 متر بطول نحو 1.03 متر (22). أثناء عملية الكشط بمحاذاة المسقط الشمالي كانت على مستوى الحوض تقريباً كانت التربة الطينية مفككة ذات لون بني فاتح (21)، وجد ضمنه على جزء من غطاء فخاري خشن مختزل.

شكل 4: الحوض (19) جنوبه الجدار (20) وشرقه الأرضية (22) الشاخص 0.50 متر.

بات من الواضح أن أعمال هذا الموسم لم تسفر في الكشف عن وجود أية أدلة تشير إلى وجود الشارع العرضيcardo  التي افترضت دراسات سابقة[1] امتداده في هذا الجزء من المدينة بداية من شاطئ البحر ويتجه جنوباً ليتقاطع مع الشارع الطولي decumanus حيث كشف عند نقطة التقاطع هذه على بقايا قوس نصر[2] ثم يستمر الشارع بعدها بشكل منحرف وينتهي عند البرج 17 الذي كان في الأصل البوابة الجنوبية لمدينة توكرة، ورغم أن أعمال التنقيب شملت مساحة لا بأس بها غرب المبنى RB لازالت هناك فرصة ضئيلة تلوح في الأفق للتأكد من وجود امتداد للشارع المذكور ضمن قطاع لا يتجاوز طوله الخمسة عشر متراً متبقي إلى الغرب من المربع 208 E وهذا ما نأمل خلال الموسم القادم إتمامه عبر سلسلة من المجسات التبادلية المحدودة عبر المسافة المذكورة.

شكر وتقدير

يطيب لـي في خـتام هـذا الـتقرير رفع أسمى آيات الشـكر والتقدير للأسـتاذ/ أبراهيم الطواحني مراقب آثار بنغازي، وجميع الأخوة العاملين في إدارته. كذلك أتـقدم بـوافر الامتــنان للأخ/ ناصر العماري المرمم بالمراقبة، عـلى المجهود الكبير الذي بذله في أعمال الحفظ التي أجريت في المبنى RB، ويشمل الــشكر الأخـوة بمــكتب منــطقة آثار الــعقورية عـلى ما أبـدوه من تجاوب وتــعاون فـي إقامــة الحــفريات. مع وافر التقدير للأستاذ محمد عطيةالله الشلماني مندوب المراقبة على مساندته وتشجيعه وتفهمه للعمل الميداني. وافر التقدير والاحترام للعمين الفاضلين محمد خير ومعمر غومة لما بذلاه من عظيم جهد طوال أيام الموسم.

أخيراً، خالص الشكر والامتنان لبعثة الآثار البريطانية العاملة بمدينة يوسبيريدس الأثـرية عـلى الســـماح لي باسـتخدام جــهاز المناسيب وبــــعض الأدوات الخاصة بالـتنقيب والـرسم الـميداني.

أ. أحمد مصطفى أبوزيان

المـشرف العـام للحـفريات

إلى الأعلى

[رجوع]